فصل: 143- حدث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة



جاء في المدونة: (قلت: أرأيت القذف، أتصلح فيه الشفاعة بعدما ينتهي إلى السلطان؟ قال: قال مالك: لا تصلح فيه الشفاعة إذا بلغ السلطان أو الشرط أو الحرس. قال: ولا يجوز فيه العفو إذا بلغ الإمام إلا أن يريد سترا.
قال مالك: والشرط والحرس عندي بمنزلة الإمام، إذا وقع في أيديهم لم تجز الشفاعة بعد، ولا يجوز لهم أن يخلوه فإن عفا المقذوف عن ذلك بعد بلوغ السلطان لم يجز عفوه عند مالك إلا أن يريد سترا).
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن ذلك بما نصه:
هل الهيئة- هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- نائبة عن السلطان، بمعنى أن قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع» هل إذا وصلت القضية إلى الهيئة لا يجوز لهم أن يتنازلوا عنها، أو تستر، أم لابد من رفع كل قضية يقبض عليها، وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله بما نصه: (رؤساء الهيئات الذي يظهر لي أنهم سلطان مثل الأمراء، إذا بلغتهم القضية عليهم أن يرفعوها لمراجعهم، أما الأعضاء فليسوا سلطانا، العضو مثل الجندي ليس بسلطان إذا رأى الستر فليستر، إلا إذا عُمِّد من جهة مرجعه بأن مهما وجد فليرفع، فعليه التنفيذ، وأما إذا لم يعمَّد ورأى أن الستر فيه مصلحة فلا بأس أن يستر، ولكن لأجل المصلحة، لا لأجل الدنيا وحطامها ونحو ذلك من الاعتبارات).
11- درء الحدود بالشبهات:
الحد عقوبة من العقوبات التي توقع ضررا في جسد الجاني وسمعته، ولا يحل استباحة حرمة أحد، أو إيلامه إلا بالحق ولا يثبت هذا الحق إلا بالدليل الذي لا يتطرق إليه شك، فإن تطرق إليه شك كان ذلك مانعا من اليقين الذي تنبني عليه الأحكام؛ ومن أجل هذا كانت التهم والشكوك لا عبرة لها ولا اعتداد بها، لأنها مظنة الخطأ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا» رواه ابن ماجة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» رواه الترمذي.
ومن الشبهات التي يدرأ بها الحد على سبيل المثال: دعوى الاغتصاب، ووطء الرجل لامرأة زفت إليه وتبين أنها ليست زوجته، أو دعوى الإكراه، ونحو ذلك.
12- من له حق إقامة الحدود:
اتفق الفقهاء على أن الحاكم أو من ينيبه عنه هو الذي يقيم الحدود، وأنه ليس للأفراد أن يتولوا هذا العمل من تلقاء أنفسهم، وذلك لأنه يفتقر إلى اجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب تفويضه للإمام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقيم الحدود في حياته، وكذلك خلفاؤه من بعده، ويقوم نائب الإمام مقامه، لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف: «... واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها»، فاعترفت فرجمها أنيس رضي الله عنه، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك لأمره صلى الله عليه وسلم للصحابة، برجم ماعز رضي الله عنه.
13- إقامة الحد على من جاء تائبا:
اتفق العلماء على أن حد الحرابة لا يقام على من جاء تائبا قبل القدرة عليه، واختلفوا فيما عدا ذلك من الحدود.
قال ابن القيم رحمه الله: (المسلك الوسط أن الإمام مخير بين إقامة الحد وتركه فيمن جاء تائبا، كما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز، والغامدية، وقال لصاحب الحد الذي اعترف به اذهب فقد غفر الله لك).
14- إقامة الحد على غير المسلم:
قال ابن القيم رحمه الله: (ثبت في الصحيحين والمسانيد أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم»؛ قالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد، إن فيها الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما. فتضمنت هذه الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان، وإن الذمي يحصن الذمية وإلى هذا ذهب أحمد والشافعي).
وقال سيد سابق رحمه الله: (كما لا تشترط الحرية في إقامة الحد، فإنه لا يشترط الإسلام كذلك، فالكتابيون من اليهود الذين يتجنسون بجنسية الدولة المسلمة، ويعيشون معهم مواطنين- الذميين- مثل الأقباط في مصر، وكذلك الكتابيون الذين يقيمون مع المسلمين بعقد أمان إقامة موقوتة- المستأمنين- مثل الأجانب، هؤلاء يقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر في دار الإسلام لأن لهم مالنا وعليهم ما علينا). والذي عليه العمل اليوم أن من ارتكب جناية موجبة للحد، من الكفار الذين يقيمون بديار المسلمين، يعاقب، فمن العلماء من يرى أنها عقوبة حدية، ومنهم من يرى أنها تعزيرية.
15- مكان إقامة الحدود:
تقام الحدود في الأماكن العامة كالساحات القريبة من الأسواق، أو من المساجد، لكي يحضرها الناس ويشاهدوا إقامة الحد، ليكون الزاجر ابلغ وأعم؛ وتحرم إقامة الحدود في المساجد، لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود).
16- صفة تنفيذ عقوبة الحد: (انظر: كل حد في مادته).
17- إعلان إقامة الحدود:
الحدود من جملة العقوبات التي فرضها الله تعالى لتكون زواجر رادعة عن:ارتكاب:المحظورات، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة 179]؛ ومن مقاصد الشريعة الإسلامية محاربة الجريمة قبل وقوعها، وهذا يتحقق بإعلان العقوبات والحدود، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن عقوبة الزنا: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور 2]؛ فدل ذلك على جواز إعلان عقوبة الحدود.:
18- تداخل الحدود:
إذا اجتمعت حدود لله تعالى من جنس واحد، كأن يزني الشخص مرارا، أو يسرق مرارا، أو يشرب الخمر مرارا، فإنه يحد عن هذا الفعل المتكرر وهو من جنس واحد مرة واحدة، قال ابن المنذر: (وأجمعوا أن السارق إذا سرق مرات، إذا قدم إلى الحاكم في آخر السرقات، أن قطع يده يجزي من ذلك كله)؛ لأن الغرض من العقوبة الزجر وهو حاصل بحد واحد.
وإن كانت الحدود من أجناس مختلفة، ولم يكن فيها قتل، كمن زنى وهو غير محصن، وشرب الخمر، وسرق، فلا تتداخل، بل يجب إقامتها كلها، ابتداء بالأخف فالأخف، فيحد للشرب أولا، ثم يجلد للزنا، تم يقطع للسرقة.
وإن كان فيها قتل، كأن يكون الزاني في المثال السابق محصنا، استوفي القتل وحده، لقول ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا اجتمع حدان أحدهما القتل، أتى القتل على الآخر).
وتستوفى حقوق الآدمي كلها سواء كان فيها قتل أو لم يكن فيها، ويبدأ وجوبا بغير القتل، بالأخف فالأخف. (راجع: التفصيل في مصطلح: تداخل).

.143- حدث:

(راجع: مصطلح: أحداث).

.144- حرابة:

1- التعريف:
الحرابة في اللغة: من حَرَبَ، ومن معانيها: الطعن، والسلب، والمقاتلة، يقال: حَرَبَه بالحربة: أي طعنه بها، وحَرَبَه حربا: أي سلبه جميع ما يملك، وحَرَبَه مُحَارَبة:أي قاتله، ومحاربة الله معصيته، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة 33].
والحرابة في الاصطلاح: هي البروز لأخذ مال، أو لقتل، أو لإرعاب، على سبيل المجاهرة والمكابرة، اعتماداً على القوة مع البعد عن الغوث.
وتسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء.
2- من هم المحاربون وما هي حقيقة الحرابة؟
المحارب: هو كل مكلف ملتزم بأحكام الإسلام يسعى في الأرض فسادا بقطع الطريق، وإخافة السبيل والسطو على أعراض الناس وممتلكاتهم، وترويج المخدرات، وزرع المتفجرات في الصحراء أو البنيان أو البحر، على سبيل المجاهرة والمكابرة، وتحت التهديد بالسلاح أو العصا، أو الحجر، فإن أخذوا المال مختفين فهم سُرَّاق، وإن اختطفوا وهربوا فهم منتهبون، وإن روجوا المخدرات، وزرعوا المتفجرات وسطوا على المنازل، فهم مفسدون في الأرض، وينتقض عهد الذميين بهذه الأفعال. والمحاربة ليست مختصة بالأموال فقط بل هي في الأعراض أعظم، وفي ذلك يقول ابن العربي رحمه الله: (قال القاضي رضي الله عنه: ولقد كنت أيام تولية القضاء قد رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه فيها فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين، فقالوا: ليسوا محاربين؛ لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج؛ فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون، ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وإن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج، وحسبكم من بلاء صحبة الجهال، وخصوصا في الفتيا والقضاء).
وقال ابن فرحون رحمه الله: (والحرابة كل فعل يقصد به أخذ المال على وجه يتعذر معه الاستغاثة عادة كإشهار السلاح والخنق وسقي السكران لأخذ المال، وإن قتل عبدا أو ذميا على ما معه وإن قل فهو محارب. وفي المنتقى قال القاضي أبو أحمد: المحارب هو القاطع للطريق المخيف للسبيل، الشاهر السلاح لطلب فإن أعطي وإلا قاتل عليه، كان في الحضر أو خارج المصر، قال ابن القاسم وأشهب: وقد يكون محاربا، وإن خرج بغير سبيل وفعل فعل المحاربين من التلصص وأخذ المال مكابرة، ويكون الواحد محاربا).
وترى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية: أن من كان ذا منعة وسطا جهارا بسلاح في صحراء ونحوها، أو في طائرة في جو أو سفينة في بحر أو سيارة في بر مثلا فقتل أو أخذ مالاً أو انتهك عرضا أو أرهب وأخاف فهو محارب... ومن كان ذا قوة أو منعة فخطف إنسانا جهارا في صحراء فقتل أو أخذ مالا أو انتهك عرضا أو جنى جناية أقل من القتل أو أخاف وأرهب فقط فهو محارب.
وجاء في البند (أولا) فقرة (أ) من قرار هيئة كبار العلماء رقم (85) وتاريخ 11/ 11/1401هـ النص التالي: (إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة سوى وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق، ولا فرق بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقفار كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى).
3- حكم الحرابة:
الحرابة من الكبائر، وهي من الحدود باتفاق الفقهاء، وسمى القرآن مرتكبيها: محاربين لله ورسوله، وساعين في الأرض فساداً، وغلظ عقوبتها أشد التغليظ، فقال عز من قائل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة 33] الخ. ونفى الرسول صلى الله عليه وسلم انتسابهم إلى الإسلام فقال في الحديث المتفق عليه: «من حمل علينا السلاح فليس منا».
4- شروط إقامة حد الحرابة:
لابد من توافر شروط في المحاربين حتى يقام عليهم حد الحرابة؛ وهذه الشروط هي:
أ- الالتزام بأحكام الشريعة:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يشترط في المحارب: أن يكون ملتزما بأحكام الشريعة، بأن يكون مسلما، أو ذميا، أو مرتدا، فلا يحد الحربي، ولا المعاهد، ولا المستأمن؛ واستدلوا بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة 34]، وهؤلاء تقبل توبتهم قبل القدرة، وبعدها، لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال الآية 38]؛ ولخبر: «الإسلام يجب ما كان قبله»؛ ولم يلتزموا أحكام الشريعة، أما الذمي فقد التزم أحكام الشريعة فله ما لنا، وعليه ما علينا؛ وأما المستأمن فقد وقع الخلاف بينهم في أنه كونه محاربا أو لا.